بعد الضجة التي أثارتها التصريحات العنصرية للحلفاء في اليمين المتطرف، والتي توَّجها نجله يائير بأقوال اقتربت من التهديد بقتل قادة النيابة والشرطة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، بأربعة منشورات في أقل من 24 ساعة، تنصل فيها من هذه التصريحات، وتراجع حتى عن بعض الاتفاقيات التي وقَّعها مع أحزاب الصهيونية الدينية، وقال إنه لن يسمح بالمساس أو التمييز ضد العرب أو المتدينين أو المثليين.
وقال نتنياهو إنه يرفض بشكل قاطع كل ما راج في الإعلام من تصريحات وتقولات منسوبة لنواب من «الكنيست» وأعضاء من الحكومة العتيدة، من شأنها أن تسيء إلى حقوق المثليين أو غيرهم. وشدد على عدم القبول بأي تمييز ينال من أي فئة وبقية مواطني الدولة. وأكد أن الدولة التي سيتولى تصريف شؤونها، لا يمكن أن تمنع الخدمات السياحية أو الطبية عن المواطنين، سواء كانوا مثليين أو من المتدينين الحريديم، أو كانوا مواطنين عرباً.
وكانت عضو «الكنيست» أوريت ستروك، من حزب «الصهيونية الدينية» الذي يقوده بتسلئيل سموترتش، قد صرحت بأن من حق الطبيب اليهودي ألا يعالج مريضاً إذا تناقض ذلك مع مبادئه الدينية. بينما قال رئيس حزب «عظمة يهودية»، إيتمار بن غفير، إنه اتفق مع نتنياهو على تعديل قانون الانتخابات، بحيث يصبح ممكناً السماح لمن يطلق تصريحات ضد العرب بأن يترشح لعضوية «الكنيست». وقال النائب سمحا روتمان، وهو من حزب بن غفير، إن من حق صاحب فندق متدين ألا يسمح بدخول مثلي الجنس لينام في فندقه.
وكان يائير نتنياهو قد هاجم في مقابلة مع إذاعة الجيش، المسؤولين في مكتب المدعي العام ومحققي الشرطة الذين نسجوا لوائح الاتهام لوالده، حول تلقي الرشى وممارسة الاحتيال وخيانة الأمانة.
وقال إن هؤلاء «يجب أن يحاكموا بتهمة الخيانة»، وإنهم خططوا بوعي وقصد مسبق للإيقاع برجل بريء «تصادف أنه رئيس للوزراء، ومنتخب من الشعب الإسرائيلي… ولهذا فإنهم شطبوا الانتخابات الديمقراطية».
واعتبر يائير هذه الأفعال «انقلاباً سياسياً وخيانة»، مضيفاً أن الجميع مدعوون للنظر في القانون والاطلاع على عقوبة الخيانة، موضحاً: «سأقول فقط إنها ليست حكماً بالسجن».
وقد فسرت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا التلميح على أنه تهديد بالقتل، إذ إن المتعارف عليه هو أن تهمة الخيانة عقوبتها الإعدام. ورأوا أن العلاقة المميزة بين نتنياهو ونجله والتأثير الكبير للولد على والده، يجعل هذا التهديد أكثر خطورة.
إذن، فقد هرع نتنياهو الأب يتنصل من تصريحات ابنه، فكتب عبر موقع «تويتر» (الاثنين): «أحب ولدي يائير وهو شخص مستقل بآرائه. كل شخص له الحق في الإعراب عن النقد، ولكنني اختلف مع تصريحاته التي نشرت أمس».
وأعلن عدد من مسؤولي النيابة أنهم يرون في أقوال نتنياهو الابن تجاوزاً لكثير من الخطوط الحمراء. ورفضوا أقوال نتنياهو الأب بأنها «اختلاف في الآراء». وقالوا إن «التهديد بالقتل ليس تعبيراً عن حرية الرأي». وأكدوا أنهم يتعرضون للتحريض والتهديد من مؤيدي نتنياهو، منذ أن قرروا توجيه لائحة اتهام ضده قبل سنوات.
وكشفت مصادر سياسية في تل أبيب، أن ما يجري في إسرائيل يثير قلقاً جدياً في واشنطن أيضاً التي تعتبره توجهاً عنصرياً معادياً للديمقراطية. وذكرت أن هناك من يفكر في واشنطن، بضرورة أن «تعلن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها ستحاسب نتنياهو الأب شخصياً» على تصرفات المشرعين اليمينيين المتطرفين الذين من المتوقع أن يعيّنهم وزراء في حكومته المقبلة.
وأفاد تقرير نشره موقع «بوليتيكو» الأميركي، بأن هذا الموقف هو جزء أساسي من السياسة التي يصوغها البيت الأبيض، في الوقت الذي يستعد فيه للعمل مرة أخرى مع حكومة بقيادة نتنياهو. فبعد أن تحسنت العلاقات بين الحكومتين، طيلة سنة ونصف سنة من الائتلاف الأكثر اعتدالاً بقيادة رئيس الوزراء السابق نفتالي بنيت، ورئيس الوزراء الانتقالي الحالي، يائير لبيد، يمكن أن تعود العلاقة مع نتنياهو «فاترة»، كما كانت مع الإدارة الديمقراطية السابقة، عندما كان بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما، بسبب الخلافات السياسية الكبرى بشأن إيران والفلسطينيين.
وقد ظلت هذه الاختلافات قائمة عندما عاد بايدن للحكم رئيساً، وتزامنت ولايته مع حكم نتنياهو رئيساً للوزراء لما يقرب من 6 أشهر في عام 2021، على الرغم من أنها لم تكن بارزة بالدرجة نفسها. وغالباً ما يتباهى الزعيمان بصداقتهما الوثيقة التي نشأت على مدى 40 عاماً.
وقال مسؤولان اقتبس التقرير المذكور أقوالهما، إن إدارة بايدن ستتوجه علناً إلى نتنياهو بشأن أي قضايا تتعلق بالفلسطينيين أو علاقات إسرائيل بالدول العربية، ولن تتردد في انتقاده حتى على القوانين غير الديمقراطية. ولكنها -وفقاً لماً صرح به لموقع «بوليتيكو» أحد المسؤولين الأميركيين- «ستنتظر»، مضيفاً: «نتنياهو يقول إنه يستطيع السيطرة على حكومته، لذا دعونا نراه يفعل ذلك. نتنياهو يريد عدة أشياء منا. وهو يعرف بأن هذا طريق ذو اتجاهين. سنعمل معه على الأمور التي يهتم بها، وسيعمل على الأمور التي نهتم بها».
الجدير بذكره أن إحدى حركات السلام المعروفة باسم «تاغ مئير»، قدمت إلى محكمة العدل العليا التماساً يطالب بمنع تعيين النائب إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الوطني، بداعي أنه يثير الإخلال بالنظام العام على الدوام. وجاء في الالتماس أن أفعال النائب بن غفير كثيراً ما تترافق معها مظاهر العنف الكلامي السافر المشوب بالعنصرية.
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت حائل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.