أخبار العالم

التصعيد الإسرائيلي… قرار أم حالة انجرار؟


التصعيد الإسرائيلي… قرار أم حالة انجرار؟

(تحليل إخباري)


السبت – 6 رجب 1444 هـ – 28 يناير 2023 مـ رقم العدد [
16132]


جنود إسرائيليون يشهرون بنادقهم في الضفة أمس (أ.ف.ب)

تل أبيب: نظير مجلي

إن كان الأمر يتوقف على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو ليس معنياً بالتصعيد الأمني والتوتر مع الفلسطينيين في هذه المرحلة. والسبب في ذلك لا يعود إلى كونه معنياً بالسلام والهدوء، إنما لأن هذا التوتر لا يخدم مصلحته في الظروف الحالية.
للتذكير، نشير إلى أنه كان قد استخدم في الماضي سلاح التوتر الأمني. كان ذلك في صيف العام 2012، عندما هبّت ضده جماهير غفيرة رفعت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، على خلفية أزمة السكن، والتي بلغ الحضور فيها 400 ألف متظاهر. فاتخذ يومها قرارين: الأول هو تشكيل لجنة لمعالجة مشكلة السكن والأوضاع الاقتصادية، والآخر المبادرة إلى اغتيال القائد في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، التي رد عليها الفلسطينيون بإطلاق الصواريخ وردّ الجيش الإسرائيلي بعملية حربية ضد قطاع غزة، أسفرت عن إطلاق 1506 صواريخ باتجاه إسرائيل سقطت منها 109 في مناطق مأهولة (مقابل 1600 غارة إسرائيلية على غزة)، كانت حصيلتها سقوط 2203 فلسطينيين قتلى (مقابل 68 إسرائيلياً)، وتشرد 350 ألف فلسطيني عن بيوتهم. وقد حقق نتنياهو الهدف. فالجمهور الإسرائيلي، الذي تأكله الصراعات الداخلية، يتحدّ في مواجهة الخطر الخارجي. فأوقفوا الاحتجاجات تماماً.
لكن حرباً كهذه، في غزة أو الضفة الغربية، في هذا الوقت بالذات، ليست متوفرة له. أولاً؛ لأن «حماس» غير معنية بالحرب. ولا تحقق له حجة يتذرع بها. والجيش الإسرائيلي على خلاف مع نتنياهو بسبب الاتفاقيات الائتلافية التي تنص على سحب صلاحياته في الضفة الغربية، ولا يستعجل في التبرع لتقديم هذه الخدمة له. وكذلك؛ لأن حكومته تتعرض لحملة معارضة واسعة في المجتمع الدولي. ولأنه يخوض حملة دبلوماسية لتحسين موقعه في مواجهة التحدي الإيراني، على الساحتين الدولية والإقليمية.
ومع ذلك، فإن نتنياهو يرأس حكومة يمينية متطرفة تجعله في مهب الريح. فلديه حلفاء في اليمين العقائدي، الذي يعدّ هذه الحكومة فرصة تاريخية لإجهاض مشروع التسوية السياسية على أساس حل الدولتين. وقد تعهد لهم بتحقيق كثير من المطالب التي تصبّ في هذا الاتجاه ومنحهم مناصب حكومية تجعلهم أصحاب قرار في تحقيق هذه الفرص حتى على حساب الجيش وصلاحياته. فمنحهم منصب وزير في وزارة الدفاع، يشوش عمل الوزارة في كل ما يتعلق بالضفة الغربية، ووعدهم بمنح الشرعية للبؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات القائمة، ومنحهم مسؤولية الأمن القومي، بما يشمل الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون ووافق لهم على تشكيل ميليشيا مسلحة لفرض السيادة على المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48).
لقد فعل ذلك؛ لأنه يحصل بالمقابل على حلفاء يؤيدونه في محاربة الجهاز القضائي بلا حدود، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا وضرب استقلاليتها، والأهم في السعي لإجهاض محاكمته بتهم الفساد. ولأن هذا الهدف لن يتحقق بالسرعة المطلوبة، وأخطبوط جهاز القضاء لا يرضخ لتهديدات نتنياهو وحلفائه حتى الآن، فإن نتنياهو سيبقى متأرجحاً بين ائتلافه من جهة والجيش من جهة ثانية، والمجتمع الدولي والإقليمي من جهة ثالثة. سافر إلى الأردن واستقبل كبار المسؤولين في البيت الأبيض، مستشار الأمن القومي ومدير المخابرات المركزية، وسيستقبل وزير الخارجية وسيسافر إلى البيت الأبيض وإلى أبوظبي، ويحاول شرح موقفه والتأكيد أنه «الوحيد الذي يمسك الخيوط».
إلا أنه في الواقع لا يمسك كل الخيوط ولا حتى نصفها. فها هي معركة جنين تكاد تتحول إلى حرب. الجيش الإسرائيلي بادر إلى هذه المعركة، وقام بإبلاغ نتنياهو بشأنها. فالجيش مغتاظ من اتهامات اليمين له بأنه لا يعطي الجنود مجالاً لقتل من يهاجمهم من الفلسطينيين، ولا يجرؤ على دخول مخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين ويسمونه تحقيراً «اللوزر» (الخاسر). فاقتحم مخيم جنين ونفذ عملية في وسط أرضه بمشاركة 800 جندي (مدججين بأذرع وقاية من أخمص القدمين حتى قمة الرأس)، وقتل تسعة فلسطينيين وجرح 20 وهدم بنايات عدة، وخرج من دون أن يصاب أي جندي بخدش واحد. الجيش الذي يعدّ تاسع قوة عسكرية في العالم «ينتصر» على بضعة شبان مسلحين، لكي يكيد «الخصم» الذي يستوطن في وزارة الدفاع.
لكن هذه المعركة فتحت الباب أمام انجرار لحرب.
أجل، لكنها ضرورية لحفظ مكانة الجيش. ويحاول نتنياهو تهدئة الوضع الآن لمنع التدهور، على الأقل حتى ينهي جولات لقاءاته مع الأميركيين ومع الشركاء في اتفاقيات إبراهيم. بيد أن حلفاءه لا يكنّون ولا يكلّون. يصرون على التقدم في مشاريعهم الاستيطانية والسيطرة على زمام الأمور في الضفة الغربية. الوزيران بتسلئيل سموترتش وايتمار بن غفير لا يهمها موقف الإدارة الأميركية ولا الضغط الدولي، ويصران على تطبيق بنود الاتفاق الائتلافي. في مطلع الأسبوع، قال نتنياهو لهما «نحن نقف على برميل بارود، قد ينفجر في كل لحظة. وأمامنا تحدٍ إيراني خطير ونحتاج إلى العالم أن يكون بجانبنا». لكنه لم يقنعهما. واتفق على جلسة أخرى يوم الثلاثاء القادم لاستكمال البحث. واختيار الثلاثاء ليس صدفة؛ إذ سيلتقي الاثنين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن.
المراقبون، الذين يلاحظون أن نتنياهو بات يفقد الكثير من بريقه، وأصبح أضعف من ذي قبل، يقولون، إنه في هذه الدورة يعتمد على الصلوات والتمنيات أكثر من اعتماده على الذكاء والدهاء السياسي في إدارة شؤون البلاد. وقد ينجرّ إلى التصعيد، حتى لو لم يكن يخطط له في هذه المرحلة.



فلسطين


النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى