هل «الطرف الثالث» هو الذي يقود الحرب في السودان؟
اتهامات للإسلاميين وأنصار البشير بإذكاء نار الحرب وتصعيدها
الأربعاء – 6 شوال 1444 هـ – 26 أبريل 2023 مـ رقم العدد [
16220]
سودانيون وأجانب هاربون من المعارك الدائرة في العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
حرب الشوارع في الخرطوم طالت كثيراً من المدنيين وممتلكاتهم (أ.ب)
الخرطوم: أحمد يونس
اعتاد السودانيون في السنوات الأخيرة على سماع كلمة «طرف ثالث»، بعد كل جريمة ترتكب، أو عملية قتل لمتظاهر خلال المسيرات المليونية الأخيرة، أو أي حادث ما مثير للجدل، تريد السلطات إبعاد مسؤوليتها عنه، فجريمة فض الاعتصام ارتكبها «طرف ثالث»، وجريمة قتل شباب وإلقائهم في النيل ارتكبها «طرف ثالث»، حتى هذه الحرب الأخيرة، يقودها «طرف ثالث». فما قصة هذا «الطرف الثالث»؟
برز تعبير «الطرف الثالث» في الصراع السوداني أول مرة إبان الثورة الشعبية التي أطاحت حكم «الإسلاميين» بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، في أبريل (نيسان) 2019، حين اتهم مدير جهاز الأمن السابق، صلاح عبد الله، الشهير بـ«قوش»، طرفاً ثالثاً بقتل المتظاهرين السلميين، ليبرئ «جهازه» من التهمة الشنيعة.
وواصل مصطلح «الطرف الثالث» بروزه في العمليات التي نسبها البعض إليه بقتل مئات من المحتجين السلميين، أثناء النزاع بين المدنيين والعسكريين على تقاسم السلطة، الذي بلغ ذروته بجريمة «فض الاعتصام»، التي اتهمت فيها القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» المدعومة من أنصار البشير، فجرى الحديث عن وجود طرف ثالث، لكن التعبير كان يشير في كل مرة إلى من يطلق عليهم «كتائب ظل»، التابعة لنظام البشير السابق.
وعقب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وإطاحة الجيش و«الدعم السريع» بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لم يعد الطرف الثالث خفياً. فقد أعلن عن نفسه، وكوّن تشكيلات وكيانات حزبية وسياسية، ولم يعد دعمه للانقلاب المناوئ للثورة والثوار خفياً و«مدسوساً»، بل كثيراً ما هددت هذه التشكيلات بالانقضاض على المدنيين، ولم تكتفِ بالتهديدات، بل أخرجت المظاهرات والمواكب والاحتجاجات، وهذه المرة اتهم الانقلابيون «هذا الثالث» بقتل عشرات المتظاهرين السلميين، مبرئين أنفسهم من الجرم المشهود.
وقبيل اندلاع الحرب الجارية بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، عاد الإصبع ليشير هذه المرة بجرأة إلى «الطرف الثالث»، حين اشتعلت مواقع الدعاية التحريضية، بل التهديدية، ضد التقارب بين المدنيين والعسكريين وتوقيع الاتفاق الإطاري، وخرج رموزهم و«كبارهم» ليعلنوا للناس رفضهم الاتفاق والتهديد بإسقاطه، ودعوة الجيش إلى التراجع عنه و«إلّا»…
وقبل أيام من بدء الحرب، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي «تغريدة» على موقع الإسلامي المتشدد «عمار السجاد»، يدعو فيها المواطنين لمغادرة الخرطوم متى استطاعوا، ثم خرج عدد آخر من قادة الإسلاميين وشنوا حملات تحريض واسعة للجيش ضد قوات «الدعم السريع»، دعوا فيها صراحة للقضاء على «الميليشيا» (الدعم السريع) التي أعلن زعيمها دعمه للعملية السلمية وخروج الجيش من السياسة، ما يعني فقدانهم الامتيازات التي حصلوا عليها بالانقلاب.
تكونت قوات «الدعم السريع» خلال حكم الإسلاميين، كقوة رديفة للجيش السوداني، وكانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات في المرة الأولى، ثم القائد العام للجيش مباشرة. لكنها، نتيجة لتقديرات اتخذتها قيادتها إبان الثورة، «قررت» التوقف عن دعم النظام الإسلامي، ما أسهم في سقوطه، وتبوأ قائدها منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ثم نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
وطوال الفترة الانتقالية، ظلت القوتان تعملان بتناسق تام، بل أوكلت لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) مهام في غاية الخطورة، مثل التفاوض باسم القوات المسلحة مع تحالف قوى إعلان «الحرية والتغيير»، والتفاوض مع الحركات المسلحة باسم حكومة السودان، وتوقيع اتفاق سلام جوبا، بل رئاسة اللجنة الاقتصادية التي كانت تتولى إعادة تأهيل اقتصاد البلاد.
وأثناء ربيع العلاقة بين الجيش و«الدعم السريع»، سمح رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لـ«الدعم السريع» بالتمدد، فازداد عدده من نحو 30 ألفاً ليتجاوز 100 ألف، حسب تقديرات غير رسمية، كما سمح له بالاستيلاء على نصيب الأسد من عقارات «حزب المؤتمر الوطني» المحلول، ليستخدمها مواقع لقواته، إلى جانب استثماراته في الذهب وغيره، ما جعل منه قوة حقيقية.
لكن «شهر العسل» بين القوتين كان قصيراً، بسبب تزايد طموح قائديهما في السيطرة على منصب الرجل الأول في البلاد، وإقصاء الآخر، أو في الحد الأدنى «تهميش دوره»، وذلك بعد أيام من انقلاب أكتوبر الذي اتهم فيه البرهان بالاستعانة بأنصار النظام السابق من الإسلاميين، كظهير سياسي له في الصراع من «حليفه القديم»، (وهو ما نفاه أكثر من مرة)، بعد أن فشل فريقه السياسي الذي قاد ما يعرف باعتصام القصر في توفير مرجعية سياسية ذات شعبية له، فتزايد العداء بين حميدتي والإسلاميين، الذين صاروا يعتبرونه خائناً، وأنه «عض الأصبع» التي دعمته في النشأة والتكوين.
وتفرقت الصفوف حين نشبت الحرب بين القوتين، فأعلن الإسلاميون وأنصار نظام البشير صراحة وقوفهم ضد «الدعم السريع»، تحت ذريعة «أن الجيش السوداني هو الذي يمثل سيادة البلاد»، وشنوا حملات ترهيب وتخوين ضد كل من يقف بجانب «الدعم السريع»، بل ضد كل من ينادي بمجرد «وقف الحرب»، ولم يعودوا «طرفاً ثالثاً» مجهولاً، بل انضموا علانية إلى جانب الجيش في الحرب.
وكشف قائد قوات «الدعم السريع» في تصريحاته، التي نقلتها فضائية «العربية» الأسبوع الماضي، أن من يقود الحرب هم الإسلاميون، وليس الجيش، وأنهم من يحركون القيادة الحالية للجيش، قائلاً: «لن نفاوض البرهان، بل من يحركونه»، مشيراً إلى الأمين العام للحركة الإسلامية الفارّ منذ الانقلاب، علي كرتي، وإلى القيادي الإسلامي أسامة عبد الله، باعتبارهما القادة الحقيقيين للجيش، ليس منذ اندلاع الحرب، بل منذ أن سيطر الإنقاذيون على الحكم.
ودأبت قوى إعلان «الحرية والتغيير» والقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري التي تمثل القوى المدنية، على اتهام من تسميهم بالإسلاميين في الجيش بالوقوف وراء نشوب الحرب واستمرارها. وقال المتحدث باسمها، خالد عمر يوسف، إن «أنصار النظام السابق هم من يذكون الصراع الدائر حالياً»، لأنهم يرون في العملية السياسية تهديداً لهم.
ولم يستطع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، نفي دعم الإسلاميين وأنصار نظام البشير له، في تصريحه للفضائية نفسها (العربية)، واكتفى بنفي التهمة عنه شخصياً، بالقول: «حميدتي يعرف أنني لست إسلامياً، ولا علاقة لي بهم، وهذه أكاذيب يروجها الرجل».
لكن الراجح، الذي تتداوله وسائط التواصل الاجتماعي السودانية والمنصات الإعلامية، أن «أنصار البشير» هم من يقودون الحرب النفسية لصالح الجيش على الأقل، بل يهددون بالانقلاب على القيادة العسكرية للجيش في حال رضخت لوقف الحرب وقررت التفاوض مع «الدعم السريع».
ويجري بشكل واسع تداول تهديدات صادرة عن قادة إسلاميين، لا يمكن التحقق من صحتها، لكنها تتسق مع الموقف الملموس للتنظيم الرافض لوقف الحرب، أو الهدنة مع «الدعم السريع»، وإعلانهم صراحة أنهم أعدوا كتائبهم وقواتهم للحرب إلى جانب الجيش حتى تصفية آخر جنود «الدعم السريع». وفي حال رضوخ الجيش للضغوط، فإنهم قد ينقلبون عليه، ليأتوا بقيادة جديدة تمثلهم وتحفظ مصالح «الطرف الثالث».
السودان
أخبار السودان
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت حائل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.