يبدو أن حسابات المتقاتلين في الخرطوم كانت خاطئة. فكل طرف كان يمني نفسه بقتال خاطف يدمر الآخر ويمنحه السيطرة على المشهد السياسي في البلاد. لكن عشرة أيام دامية لم تنهِ الحرب، ولم يستطع أي من الطرفين تسجيل نصر حاسم.
آلاف القتلى من جنود الطرفين، وآلاف الجرحى، ومئات المدنيين لقوا حتفهم أو جرحوا أثناء القتال، فيما يعترف الطرفان أنهما لا يعرفان متى تنتهي الحرب، وكيف. وإزاء هذا الوضع الذي لا تعرف له نهاية، فإن المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، تقدموا بوساطات لجمع رأسي الطرفين المتقاتلين حول طاولة تفاوض، لكن وقف القتال الذي يتمناه السودانيون لا يزال بعيد المنال.
ففي اليوم الثاني لبدء القتال، أعلنت الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا «إيغاد»، عزمها إرسال رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي إلى الخرطوم، لقيادة وساطة لوقف إطلاق النار. لكن الوساطة لم تتقدم، ولم يصل الرؤساء الثلاثة إلى السودان، إثر اعتذار قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وتذرعه بأن الأوضاع لا تسمح بوصولهم بأمان إلى البلاد.
وعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعاً عقب فشل الرؤساء الأفارقة في الوصول إلى البلاد بسبب انعدام الأمن، مكتفياً بإبداء حرصه على التدخل لوقف القتال والخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي نتجت عن الحرب.
من جهتهما، فإن كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أجريتا اتصالات فورية بكل من البرهان وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) لوقف النزاع، إلى جانب دورهما في «الرباعية الدولية» المكونة التي تضم أيضاً الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، لكن تلك الاتصالات لم تفلح في إقناع الرجلين في العودة إلى طاولة التفاوض.
وبعد عدة أيام من الاقتتال الضاري والخسائر البشرية والمادية الكبيرة، أعلن البرهان في مقابلة صحافية استعداده للتفاوض، مشترطاً انسحاب «الدعم السريع» خارج الخرطوم، فيما قال قائد قوات «الدعم السريع» إنه على استعداد لـ«هدنة إنسانية» ووقف مؤقت لوقف إطلاق النار، بيد أنه اشترط هو الآخر التخلص من خصمه قائد الجيش، واعتبره عائقاً أمام مسار التحول الديمقراطي.
دولة إسرائيل، «الصديق» الجديد للجنرالين الحاكمين في السودان، دخلت على خط الوساطات، وأعلنت أن كلاً من البرهان وحميدتي اتصلا بتل أبيب، وأنها، أي العاصمة العبرية، نقلت رسائل تهدئة وتوسط بين الرجلين، وهي الوساطة الوحيدة التي أعلنت جهات سياسية رفضها.
ولم يقف مؤسس مجموعة «فاغنر» الروسية، يفغيني بريغوجين، متفرجاً على الحرب بين «صديقيه» البرهان وحميدتي. فالرجل الذي يعد غربياً الأخطر، حصل على «وسام الجمهورية» السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير، و«وسام النيلين» الذي كرمه به رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في عام 2020. وقال بريغوجين إنه مستعد للتوسط لوقف إطلاق النار، بحكم «ما يحظى به من احترام لدى الجانبين».
وواصل كل من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اتصالاته الهاتفية بكل من البرهان وحميدتي، التي حثهما فيها على وقف القتال والعودة إلى طاولة التفاوض والرضوخ لرغبة الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي، ومثله فعل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. لكن الرجلين لا يزالان يتقاتلان في الخرطوم وبعض مدن البلاد الأخرى.
على المستوى المحلي، برزت وساطات عدة لدفع الرجلين إلى وقف القتال، من بينها حملة قام بها من أطلقوا على أنفسهم «شخصيات وطنية ومدنية»، للمطالبة بوقف الحرب، والطلب من المجتمع الدولي ممارسة أشد الضغوط على الطرفين لوقف الاقتتال، لكنها لم ترقَ لمصاف «وساطة» أو مبادرة، وانحصرت في شكل عمل مدني مناوئ للحرب، فيما تناقلت وسائط إعلام أنباء عن جهود يبذلها الموقعون على الاتفاق الإطاري مع الطرفين لجمعهما في طاولة تفاوض تنهي الخلاف القائم بينهما، وتوقف الحرب، وتعيد المسار المدني الديمقراطي. بيد أن «التلفزيون العربي» نقل عن مصادر أن التحالف الحاكم السابق «الحرية والتغيير» يقود وساطة بين الجيش و«الدعم السريع» يتوقع أن تثمر عن هدنة دائمة.
كما نقلت تقارير صحافية أن جهوداً أميركية وأفريقية وعربية تجري الآن لجمع الرجلين على طاولة تفاوض في عاصمة أفريقية أو عربية، وهو ما لمح إليه مستشار قائد قوات «الدعم السريع» فارس النور، في مقابلة تلفزيونية، بقوله: «لدينا عمل مع المجتمع الدولي لإنجاز هدنة، وتوقعوا بشريات قريباً لمعالجة القضايا الإنسانية».
لكن لا أحد يملك يقيناً حول نهاية حرب الجنرالين، على قول قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قبل أيام، مما يرجح أن حسابات النصر الخاطف كانت خاطئة.
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت حائل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.